top of page
صورة الكاتبالمدرب محمد العمصي

تاريخ تجارب الخروج من الجسد في الحضارة المصرية القديمة



الحضارة المصرية القديمة

منذ ما بين حوالي الثلاثة آلاف والخمسة آلاف عام، كان الكهنة المصريون على دراية كبيرة بالقدرة على الخروج من الجسد لدرجة أنهم كتبوا "كتاب الموتى" (Book of the Dead) لتوجيه الوعي الراحل إلى الحياة الآخرة، وهذا الكتاب هو نص جنائزي مصري قديم يتكون مجموعة من التعاويذ والترانيم والصيغ السحرية، وكان يستخدم لإرشاد المتوفى في رحلته إلى الحياة الآخرة، فقد كان يتضمن أوصافًا للعالم السفلي والكائنات التي تسكنه، كما مجموعة من التعاويذ والترانيم والصيغ السحرية التي كان يعتقد أنها تحمي المتوفى وتساعده على الإبحار في أخطار العالم السفلي، وكان قد يكتب بالخط الهيروغليفي على ورق البردي وغالبًا ما كان يوضع في المقابر مع المتوفي. كتاب الموتى كان ولايزال مصدرًا مهمًا للمعلومات للباحثين الذين يدرسون الدين والثقافة المصرية القديمة، كما ألهم العديد من الأعمال الأدبية في العصر الحديث، بما في ذلك الرواية الخيالية الشعبية "كتاب الموتى المصري" للنورماندي إليس[1].

من خلال كتاب الموتى والعديد من المصادر الأخرى تمكنا من استكشاف المعتقدات المصرية القديمة حول الروح والحياة بعد الموت، على سبيل المثال اعتقد المصريون القدماء أن الروح هي جزء لا يتجزأ من كيان الإنسان، ومكونة من عدة أجزاء مختلفة، وهي "كا" (ka) و"البا" (ba) و"الآخ" (akh).

يُنظر إلى الـ "كا" على أنها الطاقة الحيوية التي تمثل مصدر القوة والحياة للأفراد. يُفترض أن تكون الكا موجودة قبل ولادة الإنسان وتعبر عن القوى الروحية والحيوية التي تمكنه من العيش. كان الإله المصري القديم "خنوم" [2] (Khnum) مسؤولًا عن تشكيل الكا للأفراد قبل ولادتهم، حسب الاعتقاد المصري. حيث تُنشئ الكا أثناء هذه الفترة لتمكين الشخص من التنفس وتحريك الجسم بعد الولادة، وهي تبقى قريبة من الجسد بعد الوفاة. تمتلك الكا أهمية كبيرة للمصريين القدماء، ولذلك اهتموا بالعناية بالجسد بعد الوفاة من خلال تحنيطه ووضع المواد الغذائية بجوار القبر لتمكين الكا من الاستفادة من طاقة الحياة فيها، حيث تظل الكا تحتاج إلى الطاقة والتغذية بعد الوفاة.

أما البا أو "الروح المسافرة" فتُعنى بالجوانب الشخصية لإنسان، وكان يُعتقد أن نشاط الرئيسي للبا يبدأ بعد الموت، بالإضافة إلى نشاطها خلال النوم والأحلام في فترة حياة الإنسان. البا يُصوّر في جداريات الفرعونية عادة على هيئة طائر برأس إنسان، وهو يسافر بين عالمي الأحياء والأموات. وكان يُعتقد أن البا يذهب إلى العالم السفلي (متجاوزاً صعاب كثيرة) إلى صالة الحكم النهائي، حيث يُقرر مصيره في صالة الحكم النهائي. حيث سيتم وزن قلبه مقابلة ريشة ليتم الحكم عليه في النهاية، إذا كان صالحاً للحياة الأبدية أم لا. بعد الحكم، يعود البا إلى الجسد وإلى الكا ليتحدا معاً، ويصبح الإنسان عندها كيانًا روحيًّا يتجول مع الآلهة ويمتلك بعض خصائصهم.

الآخ هو الجزء الأخير من الروح حسب الديانة المصرية القديمة، ويتكون هذا الآخ من اتحاد الكا والبا، بعد رحلة البا اجتيازها لاختبار وزن القلب بنجاح حسب القوانين الإلهية. إن الآخ ليس كيانًا عاديًا، بل له قدرات إلهية، يمكنه السفر مع الآلهة عبر سفينة إله الشمس (راع) بين العوالم. المفهوم الحرفي للآخ هو "الفعّال"، حيث يؤثر على العالم بإيجابية أو سلبية. في الثقافة المصرية، كان يلقى اللوم على الآخ في بعض الأحيان عندما تحدثت مشكلات أو مرض أو وفاة، ولكنه كان أيضًا يُستخدم لطلب المساعدة والشفاء من الأمراض من أرواح الأسلاف، وكانت هناك اتفاقيات معهم تتضمن تبادل الفوائد، مثل تقديم القرابين والتضحيات.

يمكن لنا هنا أن نلاحظ اشتراك مفهوم رحلة "البا" في المعتقدات المصرية القديمة وتجارب الخروج من الجسد في بعض أوجه التشابه من حيث جوانبها الروحية والميتافيزيقية، فكلاهما يتضمن فكرة مغادرة الروح أو الوعي للجسد المادي واستكشاف عوالم أخرى، سواء في العالم المادي أو خارجه.

من الأمثلة الأخرى حول تجارب الخروج من الجسد في الحضارة المصرية القديمة، تصوير الإله حورس[3] على أنه يخوض تجربة الخروج من الجسد (إسقاط نجمي)، فوفقًا للأسطورة، كان حورس في شكله النجمي قادرًا على السفر عبر العالم السفلي ومقابلة أرواح الموتى، ويعتبر حورس أحد أهم الآلهة في الديانة المصرية القديمة، حيث كان إله السماء المرتبط بالملكية والشمس، وغالبًا ما كان يُصوَّر على أنه صقر أو رجل برأس صقر، وبالإضافة إلى دوره كإله للسماء وحامي للشمس، ارتبط حورس أيضًا بمبادئ العدل والحقيقة، وغالبًا ما كان يُصوَّر ممسكًا بموازين العدل، وكان يُقدَّر كإله الحق والعدل[4].

لذا من الواضح أن المعتقدات والممارسات المرتبطة بتجارب الخروج من الجسد والإسقاط النجمي كانت موجودة في مصر القديمة للآلهة، الأحياء والأموات وكانت جزءًا من المعتقدات الروحية والدينية للثقافة.


[1] Ellis, N. (1988). Awakening Osiris: The Egyptian Book of the Dead (Later Printing). Phanes Press. [2] خنوم هو إله مصري قديم ارتبط بمصدر نهر النيل وخلق الحياة. غالبًا ما كان يُصوَّر على أنه إله برأس كبش، واسمه يعني "الإبداع" أو "الموضة". في الأساطير المصرية، كان يعتقد أن خنوم هو من صنع أجساد البشر، والتي صنعها على عجلة الخزاف باستخدام الطين من ضفاف النيل.. [3] وفقًا للأساطير المصرية القديمة، كان حورس ابن أوزوريس، إله العالم السفلي، وإيزيس، إلهة الخصوبة والأمومة. ولد بعد وفاة والده وربته والدته في دلتا النيل. كإله صغير، حارب حورس وهزم عمه سيث، الذي قتل أوزوريس واستولى على عرش مصر. ونتيجة لهذا الانتصار، أصبح حورس الحاكم الشرعي لمصر وكان يُوقر باعتباره إله الملوك وحامي البلاد. [4] "The Routledge Handbook of Egyptian Archaeology" edited by Willeke Wendrich, Routledge, London, 2011

٨ مشاهدات٠ تعليق

Comentários


bottom of page